انقلاب الجفن الداخلي


كلما ازداد المرء علماً, رأي عظمة الخالق وكل ما في جسم الإنسان ينطق بعظمة وقدرة الله سبحانه وتعالي "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".

ومجرد معرفة الصفة التشريحية للجفن, ذلك العضو الصغير في جسم الإنسان, تجعل المرء يدرك اعجاز الخالق عز وجل.

فالجفن كحارس للعين يجب أن يكون عضواً صلباً ليناً في الوقت نفسه حتى يستطيع الحركة فلو كان به عظام لكان صلباً بدون ليونة ولو كان مجرد نسيج من جلد وعضلات لكان ليناً بدون صلابة ولكن الله سبحانه وتعالى خلق له نسيجاً خاصاً به غير موجود في الجسم إلا في الجفن وهو ما اصطلح على تسميته بغضروف العين أو Tarsus وهو عبارة عن مزيج خاص من الألياف الكولاجينية والألياف المرنة التي توفر للجفن الصلابة والليونة لحماية العين اثناء حركتها.

ويمتد هذا الغضروف بعرض الجفن تقريباً إلى حوالي 30مم ولمسافة 8مم رأسياً في الجفن العلوي و4مم رأسياً في الجفن السفلي وبسمك 2مم تقريباً.

ولم تقتصر عظمة الخالق على ذلك بل جعل لكل غضروف وتراً داخلياً ناحية الأنف ووتراً خارجياً ناحية الأذن ويتصل كل وتر بالعظام المحيطة بالعين (عظام الحجاج) حيث تؤدي هذه الأوتار عمل اللجام بالنسبة للحصان, فتقوم بضبط حركة الجفون فلا تزيد أو تقل ويبقى الجفن ملامساً للعين في كل الأوقات وعند النظر في أي اتجاه.

ومن عظمة خلق الله أن جعل في كل جفن عضلة للحركة بما يتناسب مع مقدار هذه الحركة فعضلة الجفن العلوي أكبر وأقوى لأن حركة الجفن العلوي أكثر, أما عضلة الجفن السفلي فأصغر وأضعف لأن حركة الجفن السفلي أقل بل أن مقدار قوة عضلة الجفن السفلي هو بالضبط مقدار الجاذبية الأرضية التي تحاول دائماً شد الجفن السفلي لأسفل, ولذا فقد جعل الله سبحانه وتعالى عضلة الجفن السفلي مقابلة لها تماماً في القوة بحيث يبقى الجفن السفلي ثابتاً وبانحدار ثابت يسمح بمرور الدموع في اتجاه فتحة قناة الدموع الموجودة على حافة الجفن ناحية الأنف.

وأخيراً الرموش أو الأهداب فقد جعل الله اتجاه الأهداب للخارج بعيداًً عن العين وبزاوية ميل مختلفة في الجفن العلوي عن الجفن السفلي حتى لا تؤثر على مجال الرؤية وبترتيب معين كي تؤدي وظيفتها كجهاز إنذار شديد الحساسية ضد ما يهدد سلامة العين مثل الأتربة والميكروبات وخلافه... وتعمل كل انسجة الجفن معاً في تناسق تام.

ويحدث انقلاب الجفون عندما تصاب أنسجة الجفن بما يؤثر على اتزانها, فيتجه الجفن إما إلى الداخل باتجاه مقلة العين(انقلاب داخلي) أو إلى الخارج ناحية الخد بالنسبة للجفن السفلي أو ناحية الحاجب والجبهة بالنسبة للجفن العلوي (انقلاب خارجي).


انقلاب الجفن الداخلي:

وهو أكثر انواع انقلاب الجفون شيوعاً خصوصاً في مصر وله تأثير كبير على قدرة الإبصار وانواعه هي:ـ

انقلاب الجفن الداخلي الخلقي في الأطفال:

وهذا الانقلاب هو أحد عيوب الجفون الخلقية ويظهر عند االطفل في الجفون السفلية عند الولادة ويكون عادة نتيجة لعدم النمو الكامل لأنسجة الجفن, ولا يؤثر على العين أو على الأبصار في درجاته العادية, ولذا ننصح بعدم التدخل إلا عند سن 3-4 سنوات عندما يكتمل نمو أنسجة الجفن بالكامل, وأغلب حالاته قد تشفى مع نمو أنسجة الجفن دون تدخل جراحي.

انقلاب الجفن الداخلي التليفي:

وهو أكثر أنواع انقلاب الجفون في مصر وهو أيضاً السبب الرئيسي لفقدان الإبصار وهنا تكمن المفارقة في أن أهم أسباب العمى ترجع إلى مشاكل بالجفون والرموش وليس إلى الأمراض المشهورة مثل المياه البيضاء أو أمراض الشبكية.

ولكن دعونا نشرح كيف يحدث انقلاب الجفن وكيف يؤدي إلى فقدان البصر.

كما أوضحنا من قبل فإن الجفن مبطن من الداخل (ناحية العين) بغشاء مخاطي رقيق يسمى الملتحمة (لأنه مسئولة عن التحام الجفن بمقلة العين) والملتحمة غشاء رقيق جداً مشابه في تكوينه للغشاء المخاطي بالفم كما أنه ملئ بالشعيرات الدموية التي تتسبب في احمرار العين عند حدوث التهاب بها وهي مزودة بملايين الخلايا الليمفاوية المسئولة عن الدفاع عن الجسم والعين ضد الميكروبات والفيروسات.

وعادة ما تتعرض الملتحمة للالتهاب وهو ما نطلق عليه اسم الرمد, حيث توجد أنواع من البكتريا صغيرة الحجم تسمى كلاميديا تراكوماتيس Chlamydia Trachomatis التي تصيب الملتحمة المبطنة للجفن وتؤدي إلى حدوث مرض التراكوما Trachoma أو ما أصطلح على تسميته بالرمد الحبيبي.

ويصيب الرمد كل الأعمار خصوصاً الأطفال تحت السادسة وينتشر بصورة سريعة عن طريق الأيدي الملوثة والذباب ويعتبر مرض التراكوما متوطناً في مصر حتى أن البكتريا المسببة له كانت تسمى في وقت ما بكتريا "العمي المصري".

ويشير التاريخ إلى أن مرض التراكوما انتقل إلى أوربا عند عودة جنود الحملة الفرنسية من مصر إلى فرنسا في أوائل القرن التاسع عشر. وفي أحدث بحث أجرى في مصر من عام 1999 وحتى 2001 وجد أن 27% من السكان مصابون أو أصيبوا بالتراكوما وترتفع النسبة إلى أكثر من ثلث الأطفال في عمر 6 سنوات.

وعندما تصاب الملتحمة بالتراكوما فإن الخلايا الليمفاوية الموجودة بها تتفاعل مع الميكروب مما ينتج عنه حدوث تليفات على سطح الجفن الداخلي وفي داخل غضروف الجفن, ومع تكرار الإصابة والتليفات يضعف غضروف الجفن وينثنى للداخل آخذاً معه حافة الجفن بحيث تصبح الرموش موجهة للداخل على سطح القرنية.

ولا يكتفي ميكروب التراكوما بإصابة الملتحمة والجفن بل يتجه للقرنية مؤدياً إلى حدوث تقرحات سطحية بها ويفقد خلاياها القدرة على الالتئام, ومع وجود عشرات الرموش التي أصبحت موجهة ناحية القرنية كأنها سكاكين تصاب القرنية بقرح عميقة وعتامات ويفقد الشخص الإبصار.

هل تعلم أن هناك 400 مليون مصاب بالتراكوما في العالم؟, وأن التراكوما هي السبب الرئيسي للعمى الذي يمكن تفاديه؟ وكل ذلك بسبب انقلاب الجفن وانقلاب الرموش الداخلي.

وقد قامت منظمة الصحة العالمية بوضع برنامج خاص لمكافحة العمى الذي تسببه التراكوما يشمل 4 نقاط أساسية وهي:

غسل الوجه يومياً عدة مرات.

تعليم أصول الرعاية الصحية ومقاومة الذباب خاصة عند الأمهات لوقاية الأطفال.

استخدام مضادات حيوية ضد التراكوما.

إجراء جراحات اصلاح انقلاب الجفن الداخلي وانقلاب الرموش الداخلي سواء جراحياً أو بالليزر بواسطة أطباء متخصصين.

 

وقد قام هذا البرنامج باجراء الجراحات المذكورة في مصر ودول أخرى حيث تم إجراء الجراحات حتى الآن للآلاف من المرضى وبنسبة نجاح عالية للقضاء على هذا المرض بحلول عام 2020 كما تأمل منظمة الصحة العالمية, أما بخلاف مرضى التراكوما فنسبة قليلة من انقلاب الجفن الداخلي التليفي تحدث نتيجة أصابة الملتحمة بتليفات في حالات مثل متلازمة "ستيفن جونسون" Steven – Johnson Syndrome.

الذي يحدث نتيجة حساسية تجاه بعض الأدوية مثل السلفا أو أصابة الملتحمة بمواد كاوية عن طريق الخطأ أو في بعض الأمراض الجلدية مثل مرض Pemphigoid الذي يحدث نتيجة اضطراب في المناعة.

وجراحات اصلاح انقلاب الجفن الداخلي التليفي يمكن إجراؤها بسهولة وتحت تأثير مخدر موضعي وقد تغيرت كثيراً عن الطرق الجراحية القديمة التي كانت تستلزم ربط العين لمدة أسبوع وأجراء كي كهربائي على الرموش وشق الجفن بالكامل مع إزالة جزء منه حيث تجري الجراحات الآن بدون شق الجفن على الاطلاق وبدون إزالة أي جزء منه بل تعتمد على تغيير اتجاه حافة الجفن واتجاه الرموش عن طريق تقوية غضروف الجفن وأوتار الجفن الخارجية.

أما الرموش المنقلبة للداخل فيمكن علاجها الآن عن طريق الليزر وبدون استخدام الكي الكهربائي مما يرفع نسبة النجاح من نسبة 60% إلى حوالي 87% وبدون إزالة أي رموش سليمة كما كان يحدث سابقاً.

انقلاب الجفن الداخلي الشيخوخي:

ويحدث عند كبار السن فوق الستين نتيجة ضعف أوتار الجفن مما يؤدي إلى اضطراب في التوازن بين غضروف الجفن وعضلات الجفن فينقلب الجفن للداخل.

ويتميز هذا النوع بأنه يكون غير دائم في مراحله الأولى ويظهر فقط عند استخدام العين لفترة طويلة, ويؤدي إلى ألم وحرقان بالعين مع زيادة في افراز الدموع ويحتاج لاختبار خاص لتشخيصه أما في مراحله المتأخرة فيتحول إلى انقلاب دائم ونادراً ما يؤدي إلى قرح بالعين ولكنه يسبب ألماً بالمقلة وزيادة في افراز الدموع ويتم علاجه في مراحله الأولى بالحقن لإعادة التوازن بين غضروف الجفن وعضلات الجفن, اما في مراحله المتأخرة فيحتاج لتدخل جراحي.